ملحمة برج العرب التي أفسدتها السياسة

لن نبالغ إذا قلنا إن ما حدث من الجمهور المصرى فى برج العرب «ملحمة حقيقية»، صحيح أن الطبيعى أن الجمهور يذهب إلى المدرجات ويقف خلف فريقه ويؤازره ويشجعه، ولكن ما رأيته فى برج العرب من إصرار وعزيمة يثبت أن الأمر ملحمى بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ.

ما حدث فى برج العرب ملحمة لأن كل الطرق التى تؤدى إلى برج العرب من طريق إسكندرية الصحراوى تميَّزت بالوجود المكثف لأعلام مصر على السيارات والأوتوبيسات وهو أمر لا نشاهده كثيرًا، فضلاً عن الوجود الجماهيرى المكثف داخل الملعب، حتى بعد انتهاء المباراة رأيت شبابًا يسير على أقدامه من بوابات الملعب حتى الطريق الصحراوى فى مسافة كبيرة تزيد على الـ5 كليومترات، لأن ما يملكونه من أموال يكفى لدفع أجرة مواصلة وحيدة فالظروف الاقتصادية الصعبة لم تكن حائلاً فى سفر الجماهير من المحافظات المختلفة إلى برج العرب لمساندة منتخبها، فأية ملحمة أعظم من ذلك؟

وبعيدًا عن فنيات كرة القدم وتحليلاتها، لا نستطيع أن نتغافل عن السلبيات «المهمة» التى لا يجب أن تحدث فى مصر كبلد كبير، وأولى هذه السلبيات هى المحاولة الواضحة والصريحة لتسييس كرة القدم، فلا يجوز تقديم حصول قناة «مصرية» على حقوق بث مباراة غانا على أنه إنجاز سياسى على دولة عربية أخرى كنا قد اعتدنا مشاهدة مثل هذه المباريات على قنواتها، ولا يجوز بعد انتهاء المباراة أن يقدم هذا الفوز المهم على أنه إنجاز كبير للدولة المصرية ككل وكأننا نعيد نفس أجواء منتخب مصر عام 2010.

حتى المذيع الداخلى كان أداؤه أسوأ من السيئ، فكان متعصبًا ومنفعلاً لدرجة جعلت صوته غير مسموع بوضوح، بسبب علو طبقة صوته عن قدرة «المايك» من الاستقبال، ليس هذا فحسب بل إنه ظل يلف ويدور بمجموعة من الجمل الباهتة والتقليدية التى تنتهى دائمًا بجملة «تحيا مصر» وتكرارها 3 مرات فى كل مرة يتحدث فيها، وهو الأمر الذى جعل الكثيرين غير متفاعلين مع هذا الهتاف رغم عظمته فى حين أن نفس الموجودين كانوا يرددون نفس الجملة «تحيا مصر»، ولكن بحماس مشتعل وذلك فى أثناء إذاعة أغنية «يا أغلى اسم فى الوجود»، وهذا هو الفارق بين أغنية صادقة وانفعال مفتعل من مذيع داخلى يحاول تسييس المدرجات.

أيضًا من الأمور الغريبة فى المباراة غسيل «ترتان» الملعب قبل بدء اللقاء بلحظات بسيطة، وهو ما تسبب فى تجمع للمياه على شكل برك أفسدت المنظر الجمالى للملعب، أيضًا الأطفال حاملو الكرات حول الملعب كانوا غير موفقين على الإطلاق بل إنهم تسببوا فى تعطيل اللعب وهو ما جعل بعض اللاعبين وعلى رأسهم عصام الحضرى ينفعل على أحدهم، بسبب تأخره فى إرسال الكرات من خارج الملعب لداخله.

كذلك كان هناك وجود مكثف لكثير من الأشخاص مجهولى الهوية داخل أرضية الملعب، وكذلك وجود بعض من ذوى الاحتياجات الخاصة على خط الملعب وبعض من أفراد الأمن الذين يلازمون المدرب الغانى أفرام جرانت حامل الجنسية الإسرائيلية، ويلاحقونه فى كل خطوة فى الملعب، فكل هذه المشاهد السيئة لا نراها إلا فى ملاعبنا ويجب أن نتخلص منها.

أيضًا عملية خروج السيارات من الطريق المؤدى إلى استاد برج العرب أمر فى غاية السوء والفشل ولا يوجد أى نوع من أنواع النظام، فالسيارات تسير فى كل الاتجاهات دون أية مراعاة لأية قواعد مرورية وفى غياب تام لرجال شرطة المرور، كما أن الجمهور المصرى العظيم الذى قدم ملحمة حقيقية فى مباراة غانا لا يجوز أن يقع فى فخ التعصب ويتخلى عن احترام الضيف لدرجة تجعله يقوم بالشوشرة على النشيد الوطنى للمنتخب الغانى فهذا أمر لا يجوز وغير حضارى بالمرة.

ما نقوله ليس تصيدًا للأخطاء، ولكن هو محاولة للوصول إلى الكمال فى ما يخص التنظيم إذا كنا حقًّا نريد عودة الجماهير بشكل سليم أو حتى إذا كنا نريد تنظيم بطولات رياضية كبيرة.